24 ديسمبر 2023
نص خبر – متابعة
برزت المخرجة السويسرية الكوسوفية ديا جينوفتشي بعد تقديمها لأفلام عن حرب كوسوفو كطريقة فنية لتجاوز الحرب، وهي واحدة من جيل جديد من صانعي وصانعات الأفلام الشباب الذين تشترك إبداعاتهم وإبداعاتهن في ميزتيْن: تقدم هذه الأعمال معالجة فنية للحرب بوصفها تشكل صدمة، وهي كذلك أعمال ناجحة جدا.
ولدت المخرجة ديا أو ضيا جينوفتشي في جنيف السويسرية، وعلى الرغم من أنها لم تتعرض للقمع والحرب التي شنتها صربيا على بلدها الأصلي، إلا أن ما عاشته أسرتها قد أثّر عليها: فالصدمات تنتقل من جيل إلى جيل حسب وصفها.
تترك الحروب آثارًا حتى بعد التوصل إلى السلام. وتتنوع تداعياتها، فهي ليست اقتصادية أو سياسية بل تكون لها تداعيات نفسية، وهذا الجانب نادراً ما يُتحدث عنه.
تقول ديا جينوفتشي “إن تاريخ بلد ما يشكّل مصيرك وهويتك”. ومن خلال عملها كمخرجة، اهتمت بحرب كوسوفو والصدمة الجماعية التي تسببت فيها.
هربت أسرة جينوفتشي إلى سويسرا قبل بدء الحرب مباشرة. كان والدها أصلان جينوفتشي طالبًا في الفيزياء في جامعة بريشتينا عام 1998 عندما فر على عجل نسبيًا، لأنه كان عضوا في الحركة التي تطالب باستقلال كوسوفو عن يوغوسلافيا، وتعرض للاضطهاد السياسي وأُجبِر على الإقامة في المنفى.
وجدت ديا جينوفتشي في الفيلم وسيلة لمعالجة تجارب عائلتها الصادمة، وتقول: “أريد من خلال هذا الطريق أن أفهم بشكل أفضل كيف أثر ماضي والدي على حياتي وكيف يتواصل هذا التأثير”.
ولهذه التجربة الشخصية أبعاد اجتماعية: ففي كوسوفو، لايزال الكثيرون غير قادرين على العثور على الكلمات التي يعبّرون من خلالها عن الصدمة التي ألحقتها بهم الحرب. وتُعد أفلام الشتات السويسري وسيلة للتغلب على هذه الصدمات في كوسوفو نفسها.
وترى ديا جينوفتشي، أن الذاكرة الجماعية في كوسوفو تسكنها صور شخصيات بطولية، مع بعض التمجيد للحرب. ورغم وعي المخرجة، بأن هذه الصور تعزّز وحدة الأمة الكوسوفية، فإنها لا تترك مكانا لإجراء مناقشة حول الحزن والألم الذين واكبا الحرب. وتضيف المخرجة: “يمكن للآثار أن تحافظ على الذاكرة حية، لكن الأفلام فقط تستطيع جلب التعاطف”.
الاستيقاظ على المريخ
ديا جينوفيتشي غير متفاجئة من ان عملية المواجهة الجماعية لتاريخ الاضطهاد الصربي والحرب والفرار بدأت الآن. وتشرح قائلة: «يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يتمكن الأشخاص المصابون بصدمات نفسية من استيعاب ما حدث لهم». وبالنسبة لفيلمها الوثائقي “الاستيقاظ على المريخ”، تلقي المخرجة نظرة فاحصة على كيفية ظهور الصدمة على مر الأجيال.
وتصوّر جينوفيتشي في هذا الفيلم أسرة ديميتري، التي فرّت إلى السويد بعد الحرب بسبب اضطهاد الأقليات. وتعاني الفتاتان المراهقتان من متلازمة الاسقالة”. فبسبب صدمتهن الشديدة أثناء رحلة الهروب، دخلن في غيبوبة قبل ثلاث سنوات. وصوّرت المخرجة هذه الأسرة لعدة أشهر، وأظهرت كيف يحاول الآباء والأخوة عدم فقدان الأمل، والنظر إلى وطنهم الجديد كفرصة للانبعاث.
إنه فيلم عن الهروب والصدمات وممارسات اللجوء العنيفة. ومع ذلك، فهو ليس فيلمًا سياسيًا، ولكنه فيلم نفسي. وأوضحت جينوفتشي في مقابلة قبل عامين: «أردت الابتعاد عن السياسة والعودة إلى جوهر وقيم مجتمعنا». وقالت في مقابلة أُجريت معها قبل سنتين: «المقاربة الثقافية في الأفلام هي، بطريقة ما، أقوى من السياسة»، مضيفة أن عيب التناول السياسي هو هو تركه الأشخاص يواجهون آلامهم بمفردهم”.