فرمان عمرو دياب: أنا الهضبة والصحافة وأهلها هم السفوح

19 أغسطس 2023
إيمان إبراهيم- بيروت

فعلها عمرو دياب بدون خجل، دعا صحافيين إلى حفله الذي سيقام الليلة في بيروت ليصفّقوا له، ولأنّ الفنان لا يأمن جانب الصّحافة “الخبيثة”، التي غزاها متعدّون على المهنة، أراد أنّ يوثّق طلبه بتوقيع مبرم، يلزم الصحافي على التصفيق تحت طائلة معاقبته، حتى بدون إنذار.

في الساعات الأخيرة قبل الحفل، تلقى صحافيون دعوات مرفقة بتعهد، على طريقة التعهدات التي تبرم عند توقيع عقود ذات أهمية، أنا الموقّع أدناه، ثم يذيّله بتوقيع يتحمّل بعده مسؤولية إخلاله بالتعهد في حال أراد أن يراوغ.

ولأنّ الفنان واضح وصريح، قال للصحافيين دون أن يواجههم، هو الذي اعتاد تجنّب الصحافة والتعامل معها بمنطق أنّها مجرد أكسسوار، غالباً لزوم ما لا يلزم، قال لهم دون أن يقول، “أريدكم أن تحضروا حفلي، ويا ويلكم لو سوّلت لكم أنفسكم التقاط فيديوهات خلال الحفل كما تفعلون في حفلات غيري. الجمهور العادي فليلتقط ما يشاء، وعندما تغادرون الحفل ابحثوا على السوشال ميديا هناك ستجدون كنوزاً لا حصر لها لفيديوهات التقطها محبون، أما أنتم أيها النابشون في الفضائح يا متصيّدي العثرات، فويل لكم إن رفعتم موبايلاتكم وصوّرتم. أنتم أصلاً مدعوون للتصفيق، والتصفيق يحتاج إلى يديكم الاثنتين، لذا لا تعبثوا بالموبايلات وإلا..”

ويتابع “أما إن أردتم التقاط صور، ولأنّني أقدّر أنّكم  تقفون في هذا الحر الشديد، ولو بملابس بيضاء أرغمتكم على ارتدائها، لتبدون كعرائس لي أنا السلطان سليمان أنظر إليكم وأتدلّل، أسمح لكم بالتقاط صورٍ عالية الجودة، على درجة عالية من الاحترافية.. انتبهوا صوراً احترافية من مسافة كيلومترات، لأنّني أغنّي في المقدّمة وأنتم تقفون في مؤخرة المسرح، وكل واحد وشطارتو. صور احترافية وإلا بدون إنذار سوف نحذفها، وقد أعذر من أنذر..”.

ثم يقول لهم دون أن يقول “من شروط حفلي أيضاً أن تلتزموا أماكنكم، دعوناكم وأجلسناكم في الزّاوية، تبقون في الزاوية، لا تتذاكوا وتنتقلوا إلى الأماكن الأمامية، التزموا كراسيكم يا من اعتدتم انتهاز الفرص، فكرسي شاغر هو مجرد كرسي لم يتمكّن صاحبه من الحضور لا شأن لكم به، اجلسوا حيث أردنا لكم أن تجلسوا وإلا..”.

أما النقطة الأهم، يقول عمرو دياب للصحافيين دون أن يقول، فهي مقالاتهم “يا ويلكم لو سوّلت لكم أنفسكم بعد أن قمنا بعمل الواجب وأكرمناكم، وأعطيناكم بطاقات مجانية لحضور الحفل الذي سيخلّده التاريخ، يا ويلكم لو كنتم ناكري جميل وانتقدتم الحفل. أنتم هنا أصلاً لتصفقوا”.

طبعا لم ينسّ فريق عمرو دياب أن يقنعه بأنّ هذه النقطة بالذات معيبة، “عيب أن نهز لهم العصا بحجة أنّ الفنان الإله لا ينتقد، ثمّة ملحدون لا يعترفون بالآلهة، إذاً فلندق على وتر الوطنية”. يستأنف خطابه الذي قاله رغم أنّه لم يقله “اسمعوني جيداً، هذه مدينتكم التعيسة المطفأة، التي قرأت قبل أن أصلها أنّها أضيئت لي، وأنّ قرار العتمة الشاملة تمّ تأجيله لإنجاح حفلي، أنا صاحب فضل عليكم أنرت مدينتكم، أريتكم نوراً تفتقدونه وأنتم تسقطون بثباتٍ نحو الحضيض، فقليلاً من الوفاء لي، ولصورة بلدكم السياحي، حيث يأتي الحفل بعد موسم سياحي كان حافلاً بالسيّاح، ليلمّع صورة ما تبقى من مدينتكم التعيسة. رأفةً بالعاصمة المنهكة أي مقال سوف تنشرونه، تسوّل لكم أنفسكم أن تنتقدوا فيه الحفل والمدينة التي تحتضنه والفنان الذي “جاه على نفسو” وقدم إلى بلدكم البائس، ليغني ببضع مئات آلاف من الدولارات فقط، أي مقال فيه نقد بسيط يا ناكري الجميل، يا من تذهبون مجاناً إلى الحفلات لتلتقطوا العثرات، أي مقال سوف نحذفه بدون مراجعتكم، بدون سؤالكم، بدون حتى إنذار “ناس تخاف ما تختشيش”

“وقبل أن أختم- يكمل عمرو دياب دون أن يكمل- ما سبق ذكره لا يقتصر على مقالاتكم فقط، أصلاً مقالاتكم لم يعد أحد يقرأها، بل يتعدّاه إلى حساباتكم على السوشال ميديا، سوف نكون عيناً ساهرة على منشوراتكم وتغريداتكم وصوركم، وتعليقاتكم، سوف نطاردكم إلى فضاء الأنترنت الواسع، سوف نعلمكم الأدب، وكيف تلبّون دعوة مجانية لتصفقوا ثم تتصيّدون العثرات، ويا بخت مين زار وخفّف”.

بعض الصحافيين تلقّى الدعوة ووقّع المطلوب منه دون أن يقرأ، اعتقد أنّها أمور تنظيمية تتعلق بالتصوير ثم اكتشف  أنّه “أكل الضرب”، والبعض وقّع من منطق أنّه يعرف نفسه، هو بحاجة إلى من يعلّمه الأدب، وآداب المهنة عنده فضفاضة، هو من اعتاد القدح والذم وبات يعتبر كل نقدٍ قدحاً وذماً، ثم عندما جاء إله الفن الفرعوني، وقف بمحرابه كالمتعبد، يحتاج إلى ثواب وعقاب ليتّعظ.
بعض الصحافيين وصلتهم دعوة قرأوا التعهّد ورموه في وجه الداعي، والبعض لم تصله دعوة فأعفي من اختبار وامتحان يكرم فيه المرء وغالباً يهان.

 

قد يعجبك ايضا